أشرقتْ شمسُ الأسطورةِ الأرجنتينيةِ مارادونا في بيونسَ آيرس العاصمةِ الأرجنتينيةِ الساعةَ السابعةَ صباحَ يومِ الجمعة الثلاثينْ من أكتوبر عامَ ألفٍ وتسعمائةًٍ وستينْ حيثُ وُلدَ في كوخٍ صغيرٍ ولأسرةٍ مِنْ الطبقةِ الكادحةِ وترتيبَهُ في أسرته الخامسُ بين ثمانية أطفال ليعيشَ طفولتَهُ في أحدِ أفقرِ أحياءِ العاصمةِ الأرجنتينيةِ . ولمْ تؤثرْ تلكَ الظروفُ الصعبةُ في بروزِ موهبةِ دييغو ارماندو مارادونا فكانَ في طفولتِهِ لا يدعُ أيَّ علبةٍ فارغةٍ أو شيءٍ دائريٍ أمامَهُ دونَ أنْ يداعِبَهُ ويركِلَهُ بقدمِهِ وكانَ يحلمُ بأنْ يملِكَ كرةً حتى يلعبَ بِهَا مع أصدقائِهِ وحققَ لَهُ ابنُ عمتِهِ بيتو حُلُمَهُ عندما أهدى إليه كرةَ قدمٍ وهي أولُ كرةٍ يمتلكُها في حياتِهِ وهو في سنِ الثالثةِ وكان لا ينامُ إلا وهو يحتضِنُها طَوالَ الليلِ . وكانَتْ سيدتُهُ العجوزُ لاتوتا تسدي لَهُ النصحَ كثيراً بعدمِ اللعبِ إلا بعدَ الساعةِ الخامسةِ حتَى تقلَّ درجةُ الحرارةُ ولكنْ هلْ مِنْ مجيبٌ ؟ مارادونا كان ظاهرًا يقولُ لعجوزَتِهِ لنْ ألعبَ تحتَ الشمسِ ولكنَّهُ فعليًا كانَ يغادِرُ بالخفاءِ عندَ الساعةِ الثانيةِ ظهرًا معَ صديقِهِ نيغرو وابنَ عمتِهِ بيتو ليلعبَ كرةَ القدمِ تحتَ شمسٍ حارقةٍ لمْ يُبالي بحرارتِها هو وأصدقائُهُ ليبذلوُا قصارى طاقَتِهِمْ إلى أنْ تغيبَ الشمسُ. لمْ يكنْ مارادونا محِبًا للمدرسةِ . . إنَّما كانَ ذهابُهُ إليْهَا بسببِ خشيتِهِ منْ عقابِ والدِهِ وحتَى لا يخذِلَ عائلتَهُ التي اشترتْ لَهُ ملابسَ جديدةً والسببُ الأهمُّ هو أنَّ المدرسةَ توفرُ لَهُ لعبَ كرةِ القدمِ فضلاً عن أنَّهُ يتملكُهُ إحساس بأنَّ أحدَ الكشافينَ سيزورُ المدرسةَ ليأخذَ بيدهِ إلى النادي فكانَ مارادونا في أيِّ أمرٍ في حياتِهِ يُقَدَّمُ إليهِ لا تكتملُ فرحتُهُ بِهِ ما لمْ يكنْ ذا فائدةٍ في لعبِ كرةِ القدمِ . وكانَ والدَاهُ يمنعانِهِ أحيانًا منْ لعبِ الكرةِ معَ أقرانِهِ ..ولكنَّهُ كانَ يقابلُ المنعَ في البكاءِ وبحرقةٍ إلى أنْ يرِقَّ لَهُ قلبُ والدَتِهِ لاتوتا وتسمَحَ لَهُ بالذهابِ للعبِ الكرةِ ..أمَّا إقناعُ والدِهُ فكان أمرًا شِبْهَ مستحيلٍ وهو الذي يتعَبُ لكسبِ قُوتِ يومِهِ فكان يبدأُ يومَهُ الساعةَ الرابعةَ صباحًا وحتى المساءِ منْ أجلِ أنْ يهنأَ مارادونا وإخوتُهُ في عَيشٍ طيبٍ . ويتذكَرُ مارادونا في إحدَى المراتِ عندما قبضَ والدُهُ راتبَهُ الشهريَ واشترىَ لَهُ زوجًا من الأحذيةِ . . ولكنْ لمْ يستطعْ الحذاءُ تحملَ جنونَ مارادونا أكثرَ من 24 ساعةٍ بعدَ أنْ مزقَهَا في نفسِ اليومِ جراءَ لعبِهِ الكرةَ طَوَال النهارِ .. ليأتي بعدَها والدُهُ ويضرِبَهُ بقسوةٍ .. وعلى الرغمِ من عنفِ والدِهِ معَهُ إلا أنَّهُ يصفُهُ دومًا بالرجلِ العظيمِ .. فيقولُ مارادونا بفضلِ والدي لمْ أعرفْ طعمَ الجوعِ . ويصفُ مارادونا الملاعبَ التي كان يمارسُ بِهَا الكرةَ في طفولتِهِ قائلاً كنَّا نلعبُ في ملاعبَ غيرِ صحيةٍ فأحيانًا نلعبُ بملاعبَ لا تحوِيْ مرمَى وأحيانًا كنَّا نلعبُ في ملاعبَ ترابيةٍ وكان الغبارُ يتصاعدُ حينَ نلعبُ حتى كان يبدُو وكأننَا نلعبُ في الضبابِ في ملعبِ ويمبلى وعلى الرغمِ منْ ذلكَ كانتْ المنافسةُ بينَنا شديدةً تكونُ أشْبَهَ بمنافسةِ بوكا جونيرز و ريفر بلايت . كانتْ بدايةُ مارادونا بصورةٍ فعليةٍ مع الكرةِ عندما تَمَ اكتشافُهُ من قِبَلِ أحدِ نجومِ نادي ارجنتينيوس فرانشيسكو كورنيجو حين رآهُ يتلاعَبُ بمنْ همْ أكبرُ مِنْهُ سِنًا بكثيرٍ ليوجِّهَ لَهُ سؤالاً مندهشًا..هل صحيحٌ أنَّ عُمْرَكَ عشرُ سنواتٍ ؟ ثَمَّ أَخَذَ بيدِهِ لفريقِ أشبالِ نادي أرجنتينيوس وكان ذلكَ في عامِ ألفٍ وتِسعِمائةٍ وسبعين . وبعدَ انضمامِهِ بعامٍ لفريق أرجنتينيوس كَتَبتْ عَنْهُ جريدةُ كلارين اليوميةُ الواسعةُ الانتشارِ عامَ ألفٍ وتسعمائَةٍ وواحدٍ وسبعين. دييغو مارادونا صاحبُ السنواتِ العشرِ .. يُجيدُ استخدامَ كلتَا قدمَيهِ . نالَ تصفيقًا حارًا بينَ شوطيِ مباراةِ أرجنتينوس واندبيندينتي عندما قدمَ عرضًا رائعًا لمهاراتِهِ في التحكمِ بالكرةِ والمراوغةِ وكأنَّهُ وُلِدَ ليكونَ لاعبًا للكرةِ . لَعِبَ مارادونا مع فريقِ أرجنتينوس مئةَ وستًا وثلاثين مباراةً متتاليةً لمْ يخسرْ في أيِّ مباراةٍ ليُعلِنَ عن نفسهِ وبقوةٍ بأنَّهُ الأسطورةٌ الجديدةٌ للكرةِ الأرجنتينيةِ بل العالميةِ وهو لمْ يتجاوزْ السادسةَ عشرةَ من عمرِهِ . وبعدَ أولِ مباراةٍ لعِبَهَا لفريقِ الرجالِ في الدوري الأرجنتيني يومَ العشرين من أكتوبر عامَ ستةٍ وسبعين أصبحَ أصغرَ لاعبٍ يشاركُ في تاريخِ الدوري الأرجنتيني وكان يبلغُ منَ العمرِ ستةَ عشرَ عامًا وعشرةَ أيامٍ فقطْ . وفي عامِ ألفٍ وتسعمائةٍ وسبعٍ وسبعين ارتدَى مارادونا القميصَ رقمَ عشرةً لأولِ مرةٍ ليصبحَ قميصُهُ فيما بعدْ الأغلىَ والأشهرَ في العالمِ . ويومًا بعد يومٍ أخذَتْ شعبيتُهُ تنمُوَ وتكبرُ فلا تمرُ مباراةٌ إلا يترُكُ فيها أثرًا له إمَّا أنْ يسجلَ هدفًا أو يراوغَ بطريقةٍ استعراضيةٍ لا مثيلَ لهَا . وبعدَ أنْ حفرَ اسمَهُ في وجدانِ عشاقِ الكرةِ في العالمِ ودّعَ كوخَهُ الصغيرَ في بيونس ايرس وبدأَ يتحدثُ بلغةِ الملايينَ والتي انهالتْ عليهٍ من كلِ جانبٍ وبدأَ يتركُ حياةَ البأسِ ليشتريَ المنازلَ الفاخرةَ في الوقتِ الذي كان يصلُ دخلُهُ السنويٌّّّّّ منْ عقودِ الدعايةِ فقط مليونًا ونصفَ مليونِ دولارٍ وفي ذلكَ الوقتِ تلقى مارادونا عدةَ عروضٍ منْ أنديةٍ أوربيةٍ ولكنْ فريقَ أرجنتينوس أعارَهُ الى بوكاجونيورز الأرجنتيني في فبرايرَ منْ عامِ ألفٍ وتسعمائةٍ وواحدٍ وثمانين ولمدةِ عامٍ واحدٍ مقابلَ مليونٍ ومائة ألفٍ وهو أعلى مبلغٍ ينالُهُ في حياتِهِ آنذاكْ وسطَ سَخَطِ جماهيرِ أنصارِ نادي ارجنتينوس قبلَ أنْ يدفعَ فيه بوكاجونيورز أربعةَ ملايينِ دولارٍ لشراءِ عقدِهِ كاملاً . ولكنَّ علاقَتَهُ بنادي بوكاجونيورز لمْ تستمرْ طويلاً بسببِ الظروفِ الماليةِ الصعبةِ التي عصفتْ بالفريقِ ممَا اضطُرَهُ لبيعِ عقدِهِ بعدَ أنْ حقَقَ إنجازاتٍ رائعةً لبوكاجونيورز و***بَ العديدَ من البطولاتِ .